مبدأ حسن النية في العقود الإلكترونية الليبية: دراسة تحليلية
الملخص
في ظل بيئة تعاقدية آخذة في التحول من الطابع المادي إلى فضاء رقمي تتراجع فيه المعايير التقليدية، تُقدّم هذه الدراسة قراءة تأصيلية لمبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الإلكترونية باعتباره أحد الأعمدة الخفية التي يقوم عليها توازن العلاقة العقدية في الفضاء الإلكتروني. وقد تمحور الاهتمام حول السياق الليبي، لاسيّما ما ورد في القانون المدني وقانون المعاملات الإلكترونية رقم 6 لسنة 2022، مع الوقوف عند أوجه النقص التشريعي والبنيوي التي حالت دون إعمال هذا المبدأ بكفاءة في الواقع الرقمي. حيث انطلقت الدراسة من فرضية مؤداها أن التحوّل من التعاقد التقليدي إلى الإلكتروني لم يُفرغ النية القانونية من مضمونها فحسب، بل نَقلها إلى مستوى برمجي غير محسوس؛ مما أدى إلى تعقيد عملية الإثبات، لا سيما في ظل غياب منظومة تقنية متكاملة لضبط الهوية والتوقيت العقدي، وانعدام الرقابة المؤسسية القادرة على مساءلة السلوك الخوارزمي. وقد جرى تبنّي منهج تحليلي مقارن، رُبط فيه التأصيل القانوني بالتحليل القضائي، مع استحضار التجارب الأوروبية والأمريكية التي طوّرت مفاهيم متقدمة كـ "النية الخوارزمية" و"السلوك التصميمي الواعي" بوصفها أدوات قانونية يمكن من خلالها إعادة هندسة الثقة الرقمية. وقد خلصت الدراسة إلى أن تحقيق التوازن العقدي في البيئة الإلكترونية الليبية لن يتحقق إلا بإعادة بناء منظومة إثبات النية عبر هوية رقمية وطنية ترتبط بقاعدة بيانات موثوقة، وتعديل تشريعي يُعاقب صراحة على استخدام الأنماط البرمجية المضللة (Dark Patterns)، ويُلزم المنصات الرقمية بمبدأ الشفافية التصميمية، حمايةً للإرادة ودرءًا للغُبن الخفي.